عمر برواري






يبدو ان ظاهرة التسرب من المقاعد الدراسية والتي هي ليست جديدة على تلاميذنا..وليدة مشكلات اجتماعية تقف في مقدمتها ميزانية الاسرة التي ستكون هي المؤشر الحاسم في احصاء المتسربين من المدارس، اي بمعنى.. كلما انخفض الدخل الشهري للاسرة.. كلما ازداد عدد المتسربين، فضلا عن الحالات يتعرض لها التلميذ داخل اسرته لتكون دافعا قويا لتركه الدراسة نظرة استطلاعية في احوال المتسربين نجدهم على الاغلب يزاولون اعمالا مختلفة منها ما هي على قدر طاقاتهم ومنها ما يفوقها ونراهم في كل الامكنة ما عدا المدارس وحين نتحدث مع اي احد منهم لا يجد غير ان يرسم ابتسامة على فمه ومن ثم يقول (وماذا تنفع المدرسة) او (العمل افضل)، واجمل كلمة لديهم هي كلمة (بطلت!!) وفي نظرة تأملية الى هذه الظاهرة الخطرة نجد ان مساوئها خطيرة فعلا وقد ترسم صورة مستقبل للمجتمع.






الحالة الاقتصادية هي السبب






حاولنا من خلال هذا التحقيق ان نسلط الضوء على ظاهرة التسرب من المقاعد الدراسية والتي استشرت في مجتمعنا بعد عمليات التخريب الاجتماعي والمؤسساتي بدأنا رحلتنا في تقصي الحقائق عن موضوع (التسرب) من المدارس الابتدائية والمتوسطة مع المواطن (علي حسين) الذي حدثنا قائلا: ان ظاهرة التسرب هي ليست وليدة اللحظة ولكنها وليدة ظروف قاسية ترتبط ارتباطا مباشرا بميزانية العائلة والمستوى المعاشي لاولياء الامور، فهناك الكثير من الاطفال الذين هربوا من المدارس صاروا (حرفيين) واصحاب مهن مختلفة كونهم مسؤولين عن عوائل كبيرة وهذه الحالة خلفتها الحروب الثلاث التي منحت امهاتهم لقب (ارامل) ومنحتهم لقب ايتام كما ان مجلس الاباء ليس له فعالية في اعادة المتسربين الى المدرسة .. اما المواطن (محمد جاسم)






فقال: ان من اسباب تفشي ظاهرة التسرب الرئيسية هي فقدان العائلة للموازنة ما بين دخلها الشهري ومتطلبات المدرسة.. كما ان جمع التبرعات واجبار الطلاب على الشراء من (حانوت المدرسة) والضرب المبرح كلها اسباب تدفع الطلاب للعزوف عن الدراسة .. اما مدير المدرسة (كامل سليم) فقال ان التسرب من التعليم الالزامي حالة خطيرة جدا.. يتحمل عواقبها اولياء الامور نتيجة اهمالهم وتقصيرهم في متابعة اولادهم كما ان المعلم هو الاخر يتحمل المسؤولية في بعض الاحيان نتيجة المعاملة السيئة التي يواجهها التلاميذ.. كما ان ليس هناك اي دور لمجلس الاباء في اعادة المتسربين.. فتصور ان احد اولياء الامور يقول: اني مشغول في عملي والمسؤولية تقع على عاتق زوجتي.. اي انه رمى الكرة في ملعب زوجته..






التسرب والظروف الامنية






المعلم (عباس فاضل) حدثنا قائلا: ان احد اسباب التسرب من المدرسة هو الرسوب لسنوات عديدة.. ولاسباب صحية وكذلك تحول عائلة الطالب الى منطقة اخرى قد تكون لاسباب امنية نتيجة مطاردة والده من قبل اجهزة النظام السابق وفي هذه الحالة تتحول مسؤولية العائلة على الابناء الذين يغادرون مقاعد الدراسة حفاظا على سلامة والدهم الذي قد يتعذر عليه الخروج من البيت.






او لكونه قد غادر البلد الى احدى دول الجوار هروبا من الاجهزة الامنية التي تلاحقه حتى في اتصالاته الهاتفية.. وبعد رحلتنا مع الاساتذة التربويين واولياء الامور انتقلنا الى مجموعة من المتسربين الذين سخروا من القلم كونهم طلقوا المقاعد الدراسية بالثلاثة فكان حديثنا مع المتسرب (احمد حسين) حيث قال عن سبب تركه المدرسة : تركت المدرسة وانا في الصف الثالث الابتدائي بسبب تكرار رسوبي لثلاث سنوات في المرحلة نفسها وبصراحة فانا لا استوعب مسألة (المستقبل) لانني انسان عملي ولا احب الانصياع في اوامر المعلم ومقاعد الدراسة وحتى لا اضع المزيد من الوقت قررت حينها ترك الدراسة ومواصلة عملي في بيع الشاي مع والدي في (النهضة) اذ جعلتني هذه المهنة اختلط مع اناس اكبر مني سنا اذ بأمكاني الاستفادة من تجاربهم اكثر من استفادتي من المدرسة التي لم اتعلم منها وفيها سوى جمع التبرعات وطلاء الجدران وتصليح الزجاج.






500 دينار وراء تركه الدراسة






اما (علي عبدالحسن) فحدثنا عن موضوع مغادرته المدرسة قائلا: ان ما شجعني على ترك المقاعد الدراسية منذ المرحلة الابتدائية هو عملي مع والدي في طلاء الجدران حيث كنت اشاركه عمله وانا في الصف الخامس الابتدائي وكان يعطيني انذاك (500) دينار يوميا فتهاونت في الدوام وتكررت الغيابات حتى تركت الدراسة نهائيا بغية الحصول على هذا المبلغ الذي جعلني اختلط مع اصدقاء اكبر مني سنا.. اني كسرت حاجز العمر من خلال الاجور التي كنت اتقاضاها من والدي .






شاركنا الحديث (كريم مجيد) يعمل في صباغة الاحذية في منطقة الباب المعظم امام مجمع الكليات حيث قال: ان فشلي (في مواصلة) الدراسة جعلني الجأ الى البحث عن مهنة تكون قريبة من الاوساط الجامعية فكان حلمي هو الدخول الى الكلية ومعايشة اجواءها الرائعة مع بنات حواء.. لكن الظروف المعيشية حالت دون تحقيق حلمي الذي مازلت ارسمه بفرشاة صبغ الاحذية على حذاء كل طالب في ذلك الرصيف الجامعي. ويضيف بنيت علاقات حميمة مع الكثير من الطلبة في مجمع الكليات لكن رغم هذه العلاقات اشعر في كثير من الاحيان انني في عالم اخر.. اعيش في كوكب يختلف تماما عن الكوكب الذي يعيش فيه طلبة الجامعات .






وفي ختام لقاءاتنا نوجه دعوة مستعجلة الى المؤسسات التربوية والمنظمات المدنية لتشكيل لجان مشتركة تتولى مسؤولية اعادة المتسربين من المقاعد الدراسية من خلال برامج وحملات توعية تشارك فيها وسائل الاعلام بالدرجة الاولى والقنوات الاجتماعية بالدرجة الثانية خاصة وان فئة (المتسربين) هم جيل المستقبل.. وان مسألة ترك الحبل على الغارب تهدد النسيج الاجتماعي الذي نسعى الى اعادة هيكلته وفق ضوابط وقواعد علمية رصينة تهدف الى اعداد جيل واعد وبناء مستقبل واحد لعراقنا العظيم.